أجرت جريدة " الوطن الآن " المغربية عدد 484 الصادرة بتاريخ 26 يوليوز 2012 حوارا مع المدافع الصحراوي عن حقوق الإنسان " حمودي إكليد " رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالعيون على ضوء التقرير السنوي الذي أصدرته الجمعية المذكورة.و خلال هذا الحوار تطرق " حمودي إكليد " لما جاء به التقرير السنوي من وقائع و حقائق تؤكد استمرار الدولة المغربية في ارتكاب الانتهاكات في حق المواطنين ، كما أشار إلى الوضع الخطير و الكارثي لوضعية حقوق الإنسان بالصحراء الغربية ، مؤكدا على الحل الديمقراطي لحل النزاع بين المملكة المغربية و جبهة البوليساريو ، لأنه الحل الوحيد الممكن للحد من استمرار انتهاكات حقوق الإنسان و المؤدي إلى استقرار الأوضاع بالمنطقة في إشارة إلى الصحراء الغربية.
لكن ، ما يلاحظ على هذا الحوار هو أن جريدة الوطن الآن قامت بالتصرف فيما جاء من أجوبة و حذفت مجموعة من القضايا و الأفكار أثارها المدافع الصحراوي عن حقوق الإنسان " حمودي إكليد "، خصوصا ما تعلق منها بالحصار العسكري و البوليسي المضروب على الصحراء الغربية و الحق في تقرير المصير و بعمل هيئة الإنصاف و المصالحة.
و بهدف وضع القارئ و المتتبع في الصورة كاملة، نتقدم بنشر الحوار كاملا بالطريقة التي تم إرساله للجريدة:
أولا: بعد صدور تقرير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يلاحظ أنها ما زالت تستعمل نظارات سوداء لرؤية المغرب حقوقيا، في نظرك لماذا هذا الأمر؟
التقرير الأخير الذي أصدرته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول الوضعية الحقوقية هو خلاصة وتجميع لمجموعة من تقارير فروع الجمعية غطت أوضاع حقوق الإنسان ميدانيا بكافة المدن التي شهدت انتهاكات لحقوق المواطنين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من الحرمان من الحق في الاحتجاج والتظاهر السلمي والحق في حرية الرأي والتعبير ومن جهة أخرى يعتبر التقرير انعكاس مباشر للمجهود النضالي الذي يبدله المكتب المركزي للجمعية وكافة اللجان المركزية .
وبهذا المعنى فتقرير الجمعية هو خلاصة طبيعية لعمل جماعي : فروعا ومركزا ، وبذلك سيعكس لا محالة الوضع السيئ والمتدهور لكافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ومدى تدهور أبسط حقوق الإنسان أمام استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المتجسدة في : استمرا ر وتنامي مظاهر الاختطاف والاعتقال السياسي والتعذيب والوفيات داخل مراكز السلطة وممارسة العنف من طرف القوات العمومية ضد كافة أشكال الاحتجاجات السلمية غالبا والتي تواجه بقمع شديد ينتج عنه عادة إصابات قد يتسم بعضها بالخطورة ناهيك عن استمرار تدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
وعدم التزام الدولة بكافة تعهداتها التي وافقت عليها من خلال مصادقتها على بعض الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان أو ما تعهدت به خلال الإفتحاص الدوري الشامل الذي خضعت له سنة 2008 و نهاية شهر ماي 2012 ، بحيث التزمت أمام المنتظم الدولي بالقيام بمجموعة من الإجراءات في أفق تحسين وضعية حقوق الإنسان وهو ما لم يتم تحقيقه على أرض الواقع لحد الآن وتبين أن الأمر لم يتعدى حدود الوعود والنوايا .
إجمالا فتقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لهذه السنة يعتبر انعكاسا مباشرا من حيث الرصد و التقرير عن الإنتهاكات و التجاوزات التي ارتكبتها الدولة المغربية بشكل سافر ضد مواطنين يطالبون بحقوقهم العادلة و المشروعة وفق ما هو متضمن في "الدستور " وفي المواثيق و العهود الدولية التي صادقت ووقعت عليها.
ثانيا: تعتبر أقاليم الصحراء، من بين الأقاليم التي تحتضن أكبر عدد من المراكز الأمنية ورجال السلطة، ومع ذلك لا ينظر لها كواحة تعم بالأمن والأمان، ومازالت تعج بالعديد من مظاهر عدم الاستقرار والاضطرابات بين الحين والآخر، لماذا هذا التناقض؟.
في الحقيقة إن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالعيون لا يتوفر على إحصائيات ومعطيات رسمية ودقيقة للتواجد الأمني والسلطوي الإداري بمدن الصحراء حتى يتمكن من تحديد حجم هذا التواجد ومدى تأثيره في أوضاع حقوق الإنسان ، لكن يلاحظ تواجد وانتشار أمني كثيف بأغلب مدن الصحراء التي لا تخلو ساحاتها وشوارعها وأزقتها من تواجد أمني ملحوظ ولم تسلم حتى المؤسسات التعليمية بما فيها المدارس الابتدائية التي يرابط قربها مجموعات عسكرية مما يشكل خطرا وانتهاكا صارخا للحق في التمدرس بأمان دون ضغوط أو اكراه . كما يتواجد عناصر الأمن بزي مدني غالبا بمحيط وداخل المؤسسات المدرسية الثانوية والإعدادية أمام صمت وتجاهل وزارة التربية الوطنية الوصية على هذه المؤسسات والمفروض فيها العمل على حماية التلاميذ من أي خطر يحدق بهم ناهيك ، وعجزها عن توفير أجواء تمدرس للتلاميذ في جو يخلو من الضغوط التي يمارسها تواجد الأمن داخل المؤسسات التعليمية .
لقد أبدى فرع الجمعية بالعيون في أكثر من مناسبة قلقه من مضاعفة عدد عناصر الشرطة بمدن الصحراء و القوات المساعدة و عناصر أخرى بزي رسمي و مدني تنتمي إلى أجهزة أمنية متعددة أغلبها متورطة في ممارسة الانتهاكات و التجاوزات ضد المدنيين بهذه المناطق.
كما أبدى قلقه باستمرار من محاصرة أحياء بكاملها بقوات الأمن ومنع المرور من بعض الشوارع والأزقة وعرقلة حرية التنقل ومن التواجد اليومي للشرطة والقوات المساعدة والجيش بالشوارع الرئيسية في خرق سافر لكافة الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان .
و بالرغم من تواجد هذا العدد الهائل من رجال الأمن والقوات المساعدة والجيش و السلطة تبقى الجريمة منتشرة و في تصاعد مستمر وخطير دون أن تباشر السلطات إجراءات مهمة في محاربتها و معاقبة المتورطين فيها.
لكن، و ما يثير حقيقة الانتباه هو التواجد اليومي لرجال السلطة و عناصر الشرطة و القوات المساعدة والجيش لقمع المظاهرات السلمية و الوقفات الاحتجاجية السلمية لمتظاهرين يطالبون بحقوقهم السياسية و المدنية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و هو ما أدى إلى حملات اعتقالات و ضرب و تعنيف جسدي ولفظي لمتظاهرين أغلبهم من النساء والشباب و الرجال المسنين.
إذن التناقض حاصل ليس فقط في تعويم هذه المدن برجال السلطة و العناصر الأمنية، بل في نهج الدولة المغربية باستمرار للمقاربة الأمنية ضد المتظاهرين والمحتجين بسبب مطالبتهم بحقهم في التعبير و التظاهر السلمي و بالحريات العامة كتأسيس الجمعيات الحقوقية و النقابية و الانخراط فيها بدون أية قيود أو ضغوطات تستهدف قطع أرزاقهم و منعهم من العمل و الاستفادة من كامل حقوقهم المكفولة دوليا .
كما أن الوضع السياسي لمنطقة الصحراء ( باعتبارها لاتزال منطقة نزاع ) يساهم بشكل كبير في أجواء التوتر والاحتقان المستمرين ،مما نتج عنه ولا يزال انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان . ويبقى أن حل هذا النزاع حلا ديمقراطيا سيحد لا محالة من استمرار انتهاكات حقوق الإنسان وسيؤدي إلى استقرار الأوضاع بالمنطقة .
ثالثا : حسب آخر الإحصائيات المتعلقة بالعمل الجمعوي، فإن الأقاليم الصحراوية، تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الإطارات الجمعوية الحقوقية والتنموية والثقافية والرياضية، هل هي فورة جمعوية تصب في اتجاه تقوية نسيج المجتمع المدني أم هي لأغراض أخرى؟.
مرة أخرى، أضطر للتأكيد على أن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالعيون لا يتوفر على إحصائيات رسمي أو دقيقة تخص عدد الجمعيات بمدن الصحراء ، لكن يلاحظ أن السلطات ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تأسيس العديد من الجمعيات " الحقوقية " و " التنموية " و " الثقافية " و " الرياضية " و منحتها صفة العمل الجمعوي بدون أية تعقيدات، في حين منعت جمعيات و منظمات حقوقية و نقابية من هذا الحق لأسباب سياسية مرتبطة بالوضع السياسي للإقليم.
لذلك، و جوابا على سؤالكم، فإن العدد الهائل لهذه " الإطارات الجمعوية " المتعددة لا يشكل أبدا طفرة أو قفزة نوعية في اتجاه بناء و تقوية " المجتمع المدني "، لأن أغلب هذه الإطارات المفبركة والتي تحضى بالدعم السخي من المال العام لا تمتلك أي مشروع أو رؤية مستقبلية تهدف إلى خدمة المواطنين والدفاع عن حقوقهم و معالجة مختلف همومهم و مشكلهم اليومية .
أقول ذلك، اعتمادا لمتابعة دقيقة لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان للوضع الحقوقي بالصحراء ، التي لا تر تواجد هذه الجمعيات إلا في مقرات مقفلة أو في مناسبات مرتبطة بحضور المهرجانات أو ذكريات التي تشرف عليها السلطات، و هو ما يجعل إسهامها على مستوى المجتمع ضعيفا و لا يخدم إلا أجندة ذاتية لأصحابها و لبعض المنتخبين أو رجال السلطة. وغالبا ما يتم اللجوء لهذه الجمعيات لخدمة الموقف الرسمي للدولة من النزاع حول الصحراء . بمعنى أن هذه الجمعيات يتم تأسيسها ودعمها من أجل غاية سياسية محظة دون إفساح المجال لأي رأي مخالف بحيث تتم مضايقة وعرقلة كافة الإطارات الجماهيرية التي لا تساير ركب السلطة والتي تصطف إلى جانب هموم وتطلعات الجماهير الشعبية .
رابعا : إلى أي حد تم تنزيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في الجانب الخاص بحفظ الأرشيف والذاكرة والتاريخ في الأقاليم الصحراوية، وعدم تكرار ما سبق، على اعتبار أن غالبية الضحايا كانوا من هذه الأقاليم؟.
صحيح أن أغلب ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف الدولة المغربية هم من مدن و الصحراء بسبب الصراع السياسي و العسكري ، و صحيح أيضا أن أغلب هؤلاء الضحايا يعانون من التهميش والحيف فيما يخص التعويضات و عدم تفعيل توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة فيما بخص الإدماج الاجتماعي و التسوية المالية و الإدارية و جبر باقي الأضرار الأخرى.
و حسب قراءة لعمل هيئة الإنصاف و التوصيات التي تضمنها تقريرها النهائي لسنة 2006 ، يبدو أن مسألة حفظ الذاكرة و التاريخ تم تجاوزه ، حيث أنه لم تستطع هذه الهيئة تنظيم جلسات استماع للضحايا بالصحراء بالشكل الذي قامت به في مدن أخرى، كما لم يتم التحفظ على مراكز أمنية وعسكرية شهدت اختطاف و تعذيب مئات المواطنين الصحراويين و قتل العشرات منهم بالعيون و السمارة و بوجدور و الداخلة و الطانطان و لمسيد و لم تقم بتنظيم وقفات و قافلات حقوقية اتجاهها، باستثناء زيارة وفد يمثل الهيئة المذكورة للمقبرة الجماعية بمنطقة المسيد شرق مدينة طانطان دون أن يتم ذكرها في التقرير النهائي .
و من جانب آخر فإن أغلب توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة لم تنفذ وتم الالتفاف عليها وعرقلة أجرأتها .أما مسألة الضمانات القانونية والدستورية لعدم تكرار ما سبق تبقى مسألة أو توصية تراوح مكانها بالنسبة لمدن الصحراء، حيث لا زالت الانتهاكات متواصلة ومستمرة وأوضاع حقوق الإنسان في تدهور ، ومظاهر هذه الانتهاكات يمكن رصدها ومتابعتها من خلال الاختطافات و الاعتقالات و المحاكمات الصورية و القاسية لمعتقلين مدنيين بمحاكم مدنية و عسكرية على خلفية المظاهرات السلمية المطالبة بالحق في تقرير المصير أو الموقف من قضية الصحراء، و هنا أود أن أذكر بحالة المعتقل السياسي " يحي إعزى " عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ـ فرع طانطان المحكوم ب 15 سجنا نافذا منذ سنة 2008 و المتواجد حاليا بالسجن المحلي أيت ملول. والذي تم اعتقاله ومحاكمته على خلفية نشاطه الحقوقي .
حمود اكيليد
فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
العيون – الصحراء